ا هل بادرت عاصمه عربيه لجمع كل لأطراف العراقية كما فعلت إيران مع أعوانها ووكلائها
التفجيرات الدموية في بغداد, التي تستهدف المدنيين الأبرياء, ويذهب ضحيتها المئات من الأبرياء شهداء وجرحى, تؤكد وبقوة أن ما كان وما زال أركان حكومة نوري المالكي يرددونه من أنهم حققوا الأمن ما هي إلا أكذوبة كبرى, فالأمن في العراق مازال "مفقودا", أو على الأقل "هشا", باعتراف الأميركيين والمراقبين وباعتراف المسؤولين الأمنيين العراقيين أنفسهم, فالتفجيرات الدموية العبثية, وتنصل الحكومة من مسؤولياتها الأمنية في حفظ الأمن ومنع وقوع الهجمات الإرهابية, بحيث بقي مخططو الإرهاب ومنفذوه يمتلكون ميزة المبادرة وقدرة اختيار الهدف والوقت, دونما أي تدخل فاعل أو إجراء رادع من القوى الأمنية التابعة لنوري المالكي. لقد ظل المالكي والناطقون باسمه يصدعون آذاننا بأنهم تمكنوا من إنهاء أسطورة "القاعدة", وقبضوا على معظم رؤوسها, وان الأمن في العراق بات تحت السيطرة!
ومن المؤسف ان تتزامن التفجيرات الدموية في بغداد مع كل تصعيد في الصراع بين السياسيين على اقتسام غنائم السلطة, فقد شهدنا هدوءا نسبيا خلال أيام الانتخابات وقبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات, فما جرى من خفض للعمليات التفجيرية, يبدو انه كان وفق مقتضيات ومصالح البعض من ساسة العراق الجدد, وأحزابهم وميليشياتهم التي تتحكم بمفاتيح الأمن والاستقرار بفعل امتلاكها لزمام السلطة, سواء الحكومية منها أو حتى تلك الدينية, وبالتالي فإن ارتفاع أو انخفاض وتيرة تلك الهجمات يكون بالضرورة له علاقة بمصالح هذه الأحزاب وميليشياتها.
لقد شهد العراق هدوءا نسبيا خلال وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة, ولكن بعد أن أطاح العراقيون بتيارات الولاء لإيران وانتصر التيار الوطني الليبرالي الحر, جن جنون إيران ووكلائها, فكان لابد لهم أن يوقفوا ويعرقلوا قيام تيار الوطنية العراقية بتشكيل الوزارة الجديدة, فعادت أعمال العنف الطائفي والإرهاب والتفجير, بشكل أعاد لأذهان العراقيين سنوات الاحتراب الطائفي, عامي 2006 و 2007 فانفجر العنف مجددا, ووقعت مجازر دموية جديدة, ومنها مذبحة قرية الصوفية, وكان ضحيتها الشعب العراقي الذي ما زال يدفع فاتورة خلافات ساسته, وما زال يدفع ضريبة دفاعه عن وحدة بلاده ورفضه لكل مظاهر التقسيم التي يبدو أنها الهدف الأسمى لبعض الأحزاب السياسية, وما زال يرفض الهيمنة الإيرانية والتدخلات الإيرانية الفجة في الشأن الداخلي.
قتل الأبرياء لا يمكن تبريره والدفاع عنه مهما كانت الذريعة. فهذا النوع من الأفعال يصنف تحت بند جريمة ضد الإنسانية أو حملة إبادة ضد الناس, وبالتالي فإنه يفتقد إلى المشروعية حتى لو جرى الأمر تحت أي عنوان, لكن المؤسف أن أصابع اتهام العراقيين تتوجه نحو من يملكون زمام السلطة والقوة في العراق والاتهامات توجه صريحة نحو إيران التي تخطط لرسم مستقبل العراق على وفق هواها!
الجميع يتفق على أن المعركة السياسية بين واشنطن وطهران بدأت مع انتهاء معركة التصويت الشعبي داخل البلد, ومحور المعركة بإطارها السياسي هو تشكيل الحكومة, وكما لاحظنا بعد إعلان نتائج الانتخابات توجه ثلاثة زعماء قادة كتل برلمانية إلى إيران هي "التحالف الكردستاني والائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون" وشكلت الزيارة الجماعية صفعة للناخب العراقي الذي وجد أن صوته تمت مصادرته خارج البلد لإبطال مفعوله, مما يعد مؤشرا على تشكيل الحكومة في إيران ما افزع العراقيين.
ما أسموها بقواعد اللعبة الديمقراطية الجديدة يبدو أنها مُحكمة ومُتقنة في الوصول إلى حقيقة مفادها المثل الدارج: "إنك إذا أردت أرنباً فخذ أرنباً وإن أردت غزالاً فخذ أرنباً كذلك"!, وهو عين ما حققته الديمقراطية الجديدة في العراق, فاللعبة الديمقراطية بقيت بيد من يمتلك مفاتيح المشهد العراقي بامتياز, وبصكِ تخويلٍ أميركي, ورغم كل حالة العداء "المسرحي" بين الإدارتين: "إيران" التي تسميها أميركا إعلامياً "محور الشر!", في الوقت الذي تسمي طهران الإدارة الأميركية "الشيطان الأكبر!" لكن ما بينهما من توافق وانسجام وتناغم في إدارة الشأن العراقي بعد الغزو, على أحسن ما يرام!
وها هي إيران تستقطب قادة الكتل الموالية لها التي لم تحقق في انتخابات 7 مارس الماضي الأغلبية اللازمة لتأليف الحكومة, وفازت فيها قائمة الدكتور إياد علاوي بما تحمله من حد أدنى من امتيازات الحفاظ على الهوية الوطنية العراقية والهوية العروبية للعراق والوقوف بوجه التدخل الإيراني الصريح في الشؤون العراقية, إلا أن قواعد اللعبة, وتأثيرات طهران وأتباعها, والتي ما عادت تخفى على أحد, وجهت بأن تكون طهران الكفيل الراعي لتشكيل الحكومة الجديدة في العراق, فإيران تضع خطاً أحمر مُعلناً صراحة ضد إياد علاوي, رغم أنه من طائفتها, إلا أنه "خارج عن طوعها" لكونه يرفض التدخل الإيراني ويسعى إلى تثبيت هوية العراق العربية والوطنية, ورغم حصاده النسبة الأعلى من الأصوات وبأغلبية نسبية من الشعب العراقي, إلا أن إيران التي لعبت على الوتر الطائفي وما زالت تغذيه وتنميه في العراق, رفعت عصاها بوجه الكتلتين المتخاصمتين, كتلة المالكي المسماة "ائتلاف دولة القانون", وكتلة "المجلس الأعلى" والصدريين المسماة "الائتلاف الوطني العراقي", وجمعت رموزهما في طهران لإعطاء التوجيهات بالتوحد في مواجهة خطر إياد علاوي بكل ما يحمله من تهديدات وطنية عروبية علمانية ليبرالية, وهو ما ترفضه إيران إطلاقاً.
عموما فإن الأوضاع في العراق اليوم لا تبشر بخير وأخبار الدم تترى من بغداد, بعد أن عاد الصراع المحموم على السلطة يتحرك بدماء الضحايا الأبرياء في شوارع بغداد, ويبدو أن العراق سيكون ساحة تصفية حسابات إقليمية. ورغم أن صناديق الانتخاب قالت إن إياد علاوي قد فاز, بينما اللعبة السياسية السقيمة في العراق تقول إنه قد خسر, وستبقى هذه السجالات بين أطراف اللعبة مستمرة إلى أن يقرر "المحتلان للعراق" منْ سيكون رئيساً للحكومة المقبلة!!, وحينها سنحتفل بالديمقراطية المزيفة التي يريدها الاحتلال وأعوانه في العراق الديمقراطي الجديد!
ومن المؤسف أن الخاسر الأكبر في المحصلة من كل هذه المآسي والمهازل هو الشعب العراقي المسكين, وان إيران هي المستفيد الأول والأخير مما جرى ويجري في العراق, وللأسف العرب غائبون, فها نحن نلحظ صمتاً عربياً رهيباً وخجلاً من التدخل بل إن القمة العربية الأخيرة مرت على الشأن العراقي مرور الكرام. وكأن المسألة تخص بلداً في كوكب آخر! هل انبرى مسؤول عربي واحد ورد على خطاب محمود احمدي نجاد بشان انتخابات العراق? وهل بادرت عاصمة عربية لتجميع جميع الاطراف العراقية لديها كما فعلتى ايران مع اعوانها ووكلائها?سؤال مهم